رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب

رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب
د. تمام كيلاني

رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب

د. تمام كيلاني

كم من كلمةٍ قالها العلماء فبقيت نبراسًا للأجيال، تهدي العقول وتُهذّب القلوب. ومن تلك الكلمات الخالدة قول الإمام الشافعي رحمه الله:
رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب.”

عبارةٌ قصيرةٌ في ألفاظها، عميقةٌ في معناها، عظيمةٌ في أثرها. لو وعيناها حق الوعي، لكان الحوار بيننا جسرًا من المودّة لا ساحةً للخصام، ولكان اختلاف العقول مصدرًا للإثراء لا للفرقة.

قالها الإمام الشافعي وهو من هو، علمٌ من أعلام الفقه، وبحرٌ من بحور العلم، ومع ذلك تواضع أمام الحقيقة، وأقرّ بحدود الإنسان في إدراكها. علّمنا بهذا القول أن الصواب لا يملك صكًّا دائمًا باسم أحد، وأن الخطأ ليس عيبًا ما دام صاحبه باحثًا عن الحق، محبًّا له.

يا لروعة هذا المبدأ حين يسكن القلوب! فهو يعلّمنا كيف نختلف دون أن نتنافر، وكيف نحاور دون أن نتجهّم، وكيف نعتز بآرائنا دون أن نُقصي غيرنا. فالحياة بطبيعتها اختلافٌ في الزوايا والرؤى، ولو شاء الله لجعل الناس أمةً واحدة، ولكنّ تنوّع العقول سُنّة كونية تُغني الفكر وتُنمّي الإبداع.

كم نحتاج اليوم إلى أن نستحضر روح الشافعي في زمنٍ كثر فيه الجدل وقلّ فيه الإنصات، صار كلٌّ منّا يظن أنه يملك الحقيقة المطلقة، وينسى أن رأيه – مهما بدا قويًّا – يظل اجتهادًا يحتمل الخطأ، وأن رأي غيره – مهما بدا ضعيفًا – قد يحمل في طيّاته بعض الصواب.

إن في هذا القول درسًا في الأدب قبل العلم، وفي الإنصاف قبل الانتصار، وفي الرحمة قبل الحُكم. فليس النصر أن تُفحم خصمك، بل أن تصل معه إلى نور الحقيقة، ولو كانت في كلماته لا في كلماتك.

فلنرفع إذن هذا المبدأ رايةً في حواراتنا، وفي بيوتنا، وفي مدارسنا وجامعاتنا. ولنُربِّ أبناءنا على أن الاختلاف لا يُفسد الودّ، وأن الحق يُطلب بالدليل لا بالصوت العالي. عندها فقط نصبح أمةً تعرف كيف تفكر، وكيف تتفاهم، وكيف ترتقي.

خاتمة

في نهاية المطاف، يبقى قول الإمام الشافعي شعلةً تضيء دروب الفكر والإنسانية معًا. إنه نداءٌ للتواضع أمام الحقيقة، ودعوةٌ لأن نصغي إلى بعضنا بعقولٍ مفتوحة وقلوبٍ نقيّة. فليتنا نتعلّم أن الاختلاف لا يعني العداء، وأن الصواب لا يُولد من التعصب، بل من صدق النية وصفاء القلب. حين نحمل هذا المبدأ في عقولنا، نقترب من الحق، ونقترب من بعضنا، ونرتقي بإنسانيتنا قبل علمنا.

 

*رئيس اتحاد الاطباء والصيادلة العرب بالنمسا


تعليق / الرد من

إقرأ أيضًا

بوابة فيينا

عامٌ على انهيار الدولة المزيّفه…وولادة الوعي من رماد الخوف

عامٌ على انهيار الدولة المزيّفه…وولادة الوعي من رماد الخوف
بوابة فيينا

فيينا تُضيء شمس الأمل: حفل خيري نصرة لحماة

فيينا تُضيء شمس الأمل: حفل خيري نصرة لحماة
بوابة فيينا

هنا حماة من فيينا!! اتحاد الاطباء العرب بالنمسا يساند دعم القطاع الصحي بحماة

هنا حماة من فيينا!! اتحاد الاطباء العرب بالنمسا يساند دعم القطاع الصحي بحماة
بوابة فيينا

بيان رسمي حول ختام زيارة د. تمام كيلاني إلى الجمهورية العربية السورية

بيان رسمي حول ختام زيارة د. تمام كيلاني إلى الجمهورية العربية السورية
بوابة فيينا

بيان حول ملف الاطفال المفقودين في سورية!! بيان صادر عن الجمعية الطبية الأوروبية العربية

بيان حول ملف الاطفال المفقودين في سورية!! بيان صادر عن الجمعية الطبية الأوروبية العربية
بوابة فيينا

سوريا بين عهدين… من دولة القانون إلى دولة الخوف!!

سوريا بين عهدين… من دولة القانون إلى دولة الخوف!!
بوابة فيينا

حماة… مدينةٌ تُقاوِمُ بالمبادئ، وتنهضُ بالرجال

حماة… مدينةٌ تُقاوِمُ بالمبادئ، وتنهضُ بالرجال
بوابة فيينا

إمّا أن تعود إلى الساعة الرملية أو تستسلم لواقع الحياة الحديثة

إمّا أن تعود إلى الساعة الرملية أو تستسلم لواقع الحياة الحديثة


الاكثر شهرة

تابعونا


جارٍ التحميل...