
هذربات مساء ملتبس لعابر حريق محموم!!..
حين تصل عجلة الحظ نحو أربها, من
ذا الذي يمنع المرء من اقتناص فرصته التي آن أوانها؟!.
وأنا أعب درب الحديقة العامرة
بالهدوء, بدلت حركة سيري من الركض إلى الهرولة, قبل وصولي الهدف المنشود, سبرت على
عجل جهات المكان كلها والتي أعلنت خلوها إلا مني ومنها.
_ مساء الخير.. هل لديك ولاعة؟.
_ للأسف.. أنا لا أدخن.
_ ولا أنا أدخن.
ابتسمت بحركة سريعة لم أستطع رسمها
بالكلمات وسألت:
_ إذا لماذا طلبت مني الولاعة إذاً؟.
_ بصراحة.. أردت حرق الحاجز الذي
يفصلني عنك!.. اسمي ساهر.. وأنت؟
_ كوكو.
دون انتظار حاولت الاستفادة من
اللغة العربية بشيء مفيد, فتوصلت لقناعة تدلي بأن كوكو هذه ربما تم اشتقاقها من
كوثر أو كوكب.
_ كوكب.. واوو.. اسم له نغمة. قلت.
_ ما الذي أسقط هذا الكوكب الدري
في مداري في هذه الليلة.
كانت الحكاية وباختصار، إن جدران
غرفتها قد ضاقت بها بعدما غادرت زميلاتها في السكن المشترك, فتلقفتها الحديقة كأم
حنون.
أما قلت لكم بأن دولاب الحظ ضرب
ضربته القاضية وقصم ظهر ناقة السباق!.
_ لعلنا نتشارك سوياً فراغ هذه
الليلة, فأنا وحيداً مثلك.. زوجتي والأطفال غادروا المدينة لحضور عيد ميلاد صديقة
لهم.
في لحظة خوف من فقداني زمام
الحكاية, أثنيت عليها بكلمات الدفء, فليلتنا هذه ثقيلة الظل, لا يمكن كسر عزلتها
إلا من خلال فناجين القهوة اللاجنة أو بأكواب الشاي العربي المخمر, كوب واحدة تعدل
موجة الطقس المتقلب..
نباهتي هذه المرة وقفت بجانبي وقفة
"نسوان" وبكل معنى الكلمة, وقبل أن أترك لها مجال أن تكون فكرة عن
شخصيتي من خلال العرض الذي قدمته, قهوة وشاي, دخلت دخولي المهيب, لا يمكن أن اسمح
لها أن ترسم في رأسها انطباع يدلي بأنني رجل ارتجوعي.
_ انتبهي يا عمي.. أحنا اللي خلقنا
التقدمية!.
قبل سنة أهدى لي صديق لبناني مقرب
قادما من بيروت لزيارة فيينا, زجاجة نبيد معتق زحلاوي, لم تزل الزجاجة مدفونة في
ظلام خزانة ملابسي, لم تسنح لي فرصة فتحها وذلك بعد الخلاف الذي نشب بيني وبين
زوجتي, حول قصة أن النبيذ المعتق حرام.. أيه.. كيف حرام وهو من ثمار الجنة.. لا
اعرف!.
باعتقادي أن حكاية سجن زجاجة
النبيذ يجب ان تنتهي الليلة وبانتصار ساحق على أفكار زوجتي الارتجوعية, قال حرام..
يعني إذا ما صار حرام كيف نطلق عليه نبيذ معتق؟.
بينما بدأت الضيفة بجولة استكشافية
على الصور المعلقة على جدار غرفة الضيوف, تسللت لأخذ حمام سريع أزيل من خلاله صدأ
الملح عن جسمي..
جاء هذا عن كامل قصدية، قدمت لها
القهوة أولاً, أردت قراءة فنجانها, علني أستدل إلى الطريق الأقرب والمؤدية نحو رياض
عطر قلبها الساكب.
_ ألست خائف من هذه المجازفة.. أنت
تغامر؟!.
حين دلفت جسدي المحموم تحت غطاء
السرير, كانت هي تحتسي الرشفة الأخيرة من كأس النبيذ الزحلاوي, سمعتها تتهجأ طريقها
نحو السرير, فالأضواء كلها كانت مطفأة, حين اقتربت على مرمى نصف عناق مني _ومن
وراء قباب معبديها العامرين بالحريق_ ومض ضوء بلمح البصر, اعتقدت للوهلة الأولى
بأن القمر أراد أن يثبت حضوره في هذه اللحظة, ولكنني حين أمعنت النظر بتوت النشوة
المكتنز, تبين أن مصدر الومض كان لرهجة النجمة الذهبية المشنوقة على سجنجل عنقها..
شهقت في سري وأنا أمرر كفي غبن الهواء,
في محاولة فاشلة لقياس درجة ميول خصرها بالمقاربة مع تمثال صارخ لامرأة عارية تركه
مايكل أنجلو على إحدى بوابات روما العتيقة..
كان كل شيء قبل هذه اللحظة على ما
يراق, لكنها حين زرعت أول قبلة من شفاهها الغاوية في حوض كفي, عرفت أن قصة نزار
قباني وسفنه, قصة كان يراد بها الغرق.
حين سمعته يقول الشعر في حضرة
الموت أردت ركله بقدمي حنقا, فالمارة كان يبتعدون عنا, لاعتقادهم بأن الرجل قد
تناول جرعة كيف زائدة, وعندما نكزته, ردد:
_ حليب يا بنات.. حليب يا بنات.
على سيرة الحليب.. في كل مرة تقوم
زوجتي بغليه, كانت تتركه يشوط لدرجة أن الجيران كانوا يشمون رائحة الشويط والتي
ترافق اللبن.
سمعت صراخها وهي ترمي اللوم على
بناتها حول احتراق طنجرة الحليب, هذه المرة لم تشط بل احترقت, لكن كيف لها أن
تحترق أو تشوط من دون أي رائحة؟؟!.
لربما كنت في تلك اللحظة أهذي, لا
أعرف ما الذي يدور في فلك رأسي, ما قصة الحليب المحروق وبدون رائحة, لعلي فقدت
حاسة الشم؟؟.
وقتها شعرت برجفة تجتاحني,
والتوصيف الدقيق للحكاية هو أن جسدي كله يرتعد من البرد, صرخت ملء صوتي:
_ كوكو.. كوثر.. كوكب.. ارجوك
زمليني.. زمليني.. زمليني.
سألتني زوجتي:
قصتي مع كوفيد 19.
إقرأ أيضًا
الاكثر شهرة
أسئلة مباحة في زمن صعب!!
أسئلة مباحة في زمن صعب!! رامة ياسر حسين* هل حصلنا على الحرّيّة حقًّا أم زادت المسافات بيننا كبشر؟ ألم تعل...
سورية قادرة على النهوض من جديد!!
سورية قادرة على النهوض من جديد!! فن ومدن* في ليلة مفعمة بالمشاعر والأمل، اجتمع أبناء الجالية السورية والعربية لي...
"محمود حامد" الفلسطيني.. ينتظر عروجاً تالياً من "دمشق" إلى "بيسانه"!!..
"محمود حامد" الفلسطيني.. ينتظر عروجاً تالياً من "دمشق" إلى "بيسانه"!!.. * درويش استلافاته كثيرة وكان يستفيض من بر...
مطار دمشق
أفضل طيران في العالم.. أول الواصلين إلى دمشق❤️ الخطوط الجوية القطرية تستأنف رحلاتها الجوية من الدوحة إلى دمشق ا...